يتمثل الطموح التربوي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ، من خلال رؤيته الإستراتيجية للإصلاح (2015 – 2030) في تحقيق هدفين رئيسيين: الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة للجميع. وهما نتيجة لتقييمات عدة محاولات لإصلاح منظومة التربية والتكوين، كشفت عن مجموعة من الصعوبات والإكراهات التي لا تزال قائمة إلى اليوم. مما يطرح الأسئلة الإشكالية التالية:هل يمكن للابتكار في المجال البيداغوجي أن يساهم في إيجاد الحلول الملائمة لإختلالات المنظومة التربوية؟ كيف يمكن اعتبار الابتكار البيداغوجي آلية لمصاحبة الإصلاحات التربوية الحالية؟ وكيف سيسهم في تنفيذ الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030؟ في هذا الصدد، يظهر الإطلاع على التجارب الدولية أن الابتكار البيداغوجي ليس مجموعة من الممارسات المنعزلة التي يقوم بها الفاعل التربوي، وإنما هي تصور للعمل التربوي والذي لا يمكن تحقق نجاحه إلا في إطار منظومة شاملة ومتكاملة تجمع بين المتعلم، الفاعل التربوي، المنهاج، الحكامة، القيادة التربوية، التقييم والبيئة المرتبطة بمؤسسات التربية والتكوين.
في هذا الإطار، فإن مساهمات الندوة تندرج في المحاور التالية:
الابتكار البيداغوجي: أسئلة ورهانات الإصلاح
يعتبر الابتكار أصلا لكل الممارسات غير التقليدية في مجال التربية والتكوين. ويطرح هذا المفهوم تساؤلات عميقة نظرا لتنوع مقارباته ولخصوبته المفاهيمية. فما هو الابتكار البيداغوجي، تحديدا؟ وما هي القضايا التربوية والرهانات التي ترافقه؟ وما هي التحديات التي تحول دون نجاح الابتكار البيداغوجي؟ وما هي المخاطر المرتبطة به؟
يهدف هذا المحور إلى تعميق النقاش حول مساهمة الابتكار البيداغوجي في مواكبة إصلاح التعليم وبالتحديد على مستوى النموذج البيداغوجي. فكيف يمكن للابتكار البيداغوجي أن يسهم في إنجاح تفعيل اختيارات الرؤية الاستراتيجية للإصلاح2015 -2030؟
دور الفاعل التربوي في الابتكار البيداغوجي
يعتبر الابتكار البيداغوجي حالة ذهنية وتصورا شاملا لأنشطة التعليم والتعلم، إذ أن السعي لمواجهة تحديات الإصلاح التربوي تتطلب استعدادا فرديا للابتكار وبيئة مشجعة له.
وعلى اعتبار أن المدرس هو الفاعل التربوي المحوري في العملية التعليمية التعلمية والمعني المباشر بالابتكار البيداغوجي، فهل يمكن له أن يبتكر في ظروف عمل غير مشجعة على الابتكار؟
إن الاستعداد الفردي للابتكار يمثل ملكة مشابهة لملكة الاندهاش والتساؤل المرتبطة أساسا بمرحلة الطفولة المبكرة، وتأسيسا على ذلك، هل يمكن إعادة إحياء هذه الملكة لدى المدرس في ممارساته من خلال التكوين الأساس والمستمر؟
من جهة أخرى فإن تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي حول الارتقاء بمهن التربية والتكوين (2018) ركز على ضرورة الإعداد للابتكار البيداغوجي، وذلك من خلال توفير شروط المهننة وتشجيع التقييم الذاتي والتفكير الجماعي في الممارسات البيداغوجية، واعتبار المؤسسة التعليمية نواة مركزية لتطبيق الإصلاحات. فكيف يشجع العمل الجماعي في فرق تربوية وسط مؤسسات تعليمية تتمتع بهامش من الاستقلالية على تجريب وتعميم الابتكارات البيداغوجية؟
الابتكار البيداغوجي وأسئلة المنهاج
يستند إصلاح المناهج إلى استنتاجات مستخلصة من تفكير مسبق حول خصائص متعلم القرن 21 والمهارات التي يجب أن يكتسبها. فكيف يمكن للتربية على الابتكار من خلال تطوير مهارات التفكير الناقد، والملاحظة والتحليل والتربية على المواطنة وعلى حقوق الإنسان والتربية الإعلامية والرقمية … أن تسهم في عملية إصلاح المنهاج؟ أليست هذه الأبعاد المختلفة للتربية والتعليم مترابطة ومتداخلة وتقوم في نفس الآن بهيكلة الإسهامات في الحقول المعرفية وفي التخصصات والمواد المدرسة؟
علاوة على ذلك، ألا يساهم تثقيف الابتكار البيداغوجي في حل المشاكل المرتبطة ببلورة وتطبيق المناهج الدراسية؟ كيف يمكن للابتكار أن يحسن من مختلف مكونات المنهاج، انطلاقا من بناء منطقه إلى تطوير البرامج ومرورا بإدماج الرقمنة وشكل الكتاب المدرسي وأنواع التقييم المختلفة، الخ.؟ وكيف يقوم المتعلم والفاعل التربوي بالمساهمة في عملية الابتكار البيداغوجي على مستوى المنهاج؟
الحكامة، القيادة التربوية، التقييم والابتكار البيداغوجي
يظهر الاطلاع على ثلة من التجارب الدولية بأن الابتكار على مستوى الحكامة والقيادة التربوية، ابتداء من مراكز أخذ القرار ووصولا إلى المؤسسات التعليمية، له انعكاسات مهمة على الإنصاف والجودة في منظومة التربية والتكوين.
إن مختلف أنماط الحكامة تقوم بتحديد طبيعة التفاعلات بين مختلف المكونات والمستويات التنظيمية في منظومة التربية والتكوين. وذلك بدءا من المستوى المركزي ووصولا لمستوى القيادة التربوية المحلية. فما الدور الذي يلعبه الابتكار في تحسين أنماط الحكامة والقيادة التربوية في النظام التعليمي بشكل عام وعلى مستوى المؤسسات التعليمية بشكل خاص؟ وما هو دور الحكامة والقيادة التربوية في النهوض بالابتكار البيداغوجي؟ هل هناك نمط واحد أم أنماط مختلفة من الحكامة تشجع الابتكار البيداغوجي على مختلف الأصعدة: بلورة وتجريبا وتعميما؟ وما علاقة الحكامة والقيادة التربوية على جميع مستويات صناعة القرار التربوي بنجاح الابتكار البيداغوجي؟ كيف يمكن أن تعزز البيئة المباشرة للمؤسسة التعليمية أو الجامعية أو التكوينية على تنمية الابتكار البيداغوجي؟ وكيف تقوم هذه البيئة بتشجيع الابتكار البيداغوجي من خلال الاستفادة من جميع مكوناتها (جمعيات الأسر، الجمعيات المهنية، المجتمع المدني التربوي، المقاولات، الخ)؟
تشكل هذه المحاور الأربعة الأس المشترك لبرنامج الندوة. ويشمل البرنامج، بالإضافة للجلسة الافتتاحية وللمحاضرة التقديمية، جلسات عامة وطاولات مستديرة موازية ستساهم في إغناء وإثراء العملية الفكرية التي أطلقها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في أفق إعداد استراتيجية وطنية للابتكار في مجال التربية والتكوين.